فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين}
قال المفسرون: الحجر اسم واد كان يسكنه ثمود وهو معروف بين المدينة النبوية والشام وآثاره موجودة باقية يمر عليها ركب الشام إلى الحجار، وأهل الحجاز إلى الشام وأراد بالمرسلين صالحًا وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع للتعظيم أو لأنهم كذبوه، وكذبوا من قبله من الرسل.
{وآتيناهم آياتنا} يعني الناقة وولدها والآيات التي كانت في الناقة خروجها من الصخرة وعظم جثتها وقرب ولادها وغزارة لبنها، وإنما أضاف الآيات إليهم وإن كانت لصالح، لأنه مرسل إليهم بهذه الآيات {فكانوا عنها} يعني عن الآيات {معرضين} يعني تاركين لها غير ملتفتين إليها {وكانوا ينحتون من الجبال بيوتًا آمنين} خوفًا من الخراب أو أن يقع عليهم الجبل أو السقف {فاخذتهم الصيحة} يعني العذاب {مصبحين} يعني وقت الصبح {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} يعني من الشرك والأعمال الخبيثة عن أبي هريرة قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)}
أصحاب الحجر ثمود قوم صالح عليه السلام، والحجر أرض بين الحجاز والشام، وتقدّمت قصته في الأعراف مستوفاة.
والمرسلين يعني بتكذيبهم صالحًا، لأنّ من كذب واحدًا منهم فكأنما كذبهم جميعًا.
قال الزمخشري: أو أراد صالحًا ومن معه من المؤمنين كما قيل: الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه.
وعن جابر قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا ان تكونوا باكين حذر أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء، ثم زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلفها» وفي بعض طرقه ثم قال: «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلا رجلًا كان في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله» قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: «أبو رغال» وإليه تنسب ثقيف.
وآتيناهم آياتنا قيل: أنزل إليهم آيات من كتاب الله، وقيل: يراد نصب الأدلة فأعرضوا عنها.
وقيل: كان في الناقة آيات خمس.
خروجها من الصخرة، ودنو نتاجها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعًا.
وقيل: كانت له آيات غير الناقة.
وقرأ الجمهور: {ينحتون} بكسر الخاء.
وقرأ الحسن، وأبو حيوة بفتحها وصفهم بشدة النظر للدنيا والتكسب منها، فذكر من ذلك مثالًا وهو نقرهم بالمعاول ونحوها في الحجارة.
وآمنين، قيل: من الانهدام.
وقيل: من حوادث الدنيا.
وقيل: من الموت لاغترارهم بطول الأعمار.
وقيل: من نقب اللصوص، ومن الأعداء.
وقيل: من عذاب الله، يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه.
قال ابن عطية: وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة، فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها.
ومصبحين: داخلين في الصباح.
والظاهر أنّ ما في قوله: {فما أغنى} نافية، وتحتمل الاستفهام المراد منه التعجب.
وما في كانوا يحتمل أن تكون مصدرية، والظاهر أنها بمعنى الذي، والضمير محذوف أي: يكسبونه من البيوت الوثيقة والأموال والعدد، بل خروا جاثمين هلكى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر} يعني ثمود {المرسلين} أي صالحًا، فإن مَنْ كذب واحدًا من الأنبياء عليهم السلام فقد كذب الجميعَ لاتفاقهم على التوحيد والأصولِ التي لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصار، وقيل: المراد صالحٌ ومن معه من المؤمنين، كما قيل: الخُبيبون لخبيب بن عبدِ اللَّه بن الزبير وأصحابه، وادٍ بين المدينة والشام كانوا يسكنونه.
{وءاتيناهم ءاياتنا} وهي الآياتُ المنزلة على نبيهم، أو المعجزاتُ من الناقة وسَقْيها وشِرْبها ودرّها، أو الأدلةُ المنصوبة لهم {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} إعراضًا كليًّا، بل كانوا معارضين لها حيث فعلوا بالناقة ما فعلوا.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا ءامِنِينَ} من الانهدام ونقْب اللصوص وتخريبِ الأعداء لوثاقتها، أو من العذاب لحُسبانهم أن ذلك يحميهم منه. عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْر فقال: «لا تدخُلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرًا أن يصيبَكم مثلُ ما أصاب هؤلاء» ثم زجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلّفها.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ} وهكذا وقع في سورة هود، قيل: صاح بهم جبريلُ عليه الصلاة والسلام، وقيل: أتتهم من السماء صيحةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم، وفي سورة الأعراف {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلةُ ولعلها من روادف الصيحة المستتبِعةِ لتموّج الهواء تموجًا شديدًا يفضي إليها كما مر في سورة هود.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ}
ولم يدفع عنهم ما نزل بهم {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من بناء البيوتِ الوثيقة والأموالِ الوافرة والعُدد المتكاثرة، وفيه تهكمٌ بهم، والفاء لترتيب عدمِ الإغناء الخاصِّ بوقت نزول العذابِ حسبما كانوا يرجونه لا عدمِ الإغناءِ المطلق فإنه أمرٌ مستمر. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} يعني ثمود {المرسلين} حين كذبوا رسولهم صالحًا عليه السلام، فإن من كذب واحدًا من رسل الله سبحانه فكأنما كذب الجميع لاتفاق كلمتهم على التوحيد والأصول التي لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار، وقيل: المراد بالمرسلين صالح عليه السلام ومن معه من المؤمنين على التغليب وجعل الأتباع مرسلين كما قيل: الخبيبون لخبيب بن الزبير وأصحابه، وقال الشاعر:
قدنى من نصر الخبيبين قدى

والقول بأنه نزل كل من الناقة وسقبها منزلة رسول لأنه كالداعي لهم إلى اتباع صالح عليه السلام فجمع بهذا الاعتبار لا اعتبار له ألًا فيما أرى.
والحجر واد بين الحجاز والشام كانوا بسكنونه، قال الراغب: يسمى ما أحيط به الحجارة حجرًا وبه سمى حجر الكعبة وديار ثمود، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله تعالى عنهم كما في صحيح البخاري وغيره عن الدخول على هؤلاء القوم إلا أن يكونوا باكين حذرًا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
وجاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الناس عام غزوة تبوك استقوا من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باهراق القدور وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت ترد الناقة.
{وءاتيناهم ءاياتنا}
من الناقة وسقبها وشربها ودرها.
وذكر بعضهم أن في الناقة خمس آيات خروجها من الصخرة.
ودنوا نتاجها عند خروجها.
وعظمها حتى لم تشبهها ناقة.
وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعًا، وقيل: كانت لنبيهم عليه السلام معجزات غير ما ذكر ولا يضرنا أنها لم تذكر على التفصيل، وهو على الإجمال ليس بشيء، وقيل: المراد بالآيات الأدلة العقلية المنصوبة لهم الدالة عليه سبحانه المبتوتة في الأنفس والآفاق وفيه بعد، وقيل آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليه السلام.
وأورد عليه أنه عليه السلام ليس له كتاب مأثور إلا أن يقال: الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه حقيقة بل يكفى كونه معه مأمورًا بالأخذ بما فيه ويكون ذلك في حكم نزوله عليه، وقد يقال: بتكرار النزول حقيقة ولا يخفي قوة الإيراد، وقيل: يجوز أن يراد بالآيات ما يشمل ما بلغهم من آيات الرسل عليهم السلام، ومتى صح أن يقال: أن تكذيب واحد منهم في حكم تكذيب الكل فلم لم يصح أن يقال: إن ما يأتي به واحد من الآيات كأنه أتى به الكل وفيه نظر، وبالجملة الظاهر هو التفسير الأول {فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} غير مقبلين على العمل بما تقتضيه، وتقديم المعمول لرعاية تناسب رؤوس الآي.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا ءامِنِينَ}
من نزول العذاب بهم، وقيل: من الموت لاغترارهم بطول الأعمار، وقيل: من الانهدام ونقب اللصوص وتحزيب الأعداء لمزيد وثاقتها، وقال ابن عطية: أصح ما يظهر لي في ذلك انهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة فكانوا لا يعملون بحسبها بل يعملون بحسب الأمن وتفريع قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)}
أظهر في تأييد الأول، ووقع في [سورة الأعراف:78، 91] {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} ووفق بينهما بان الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي مجاز عنها، واستشكل التقييد بمصبحين مع ما روى في ترتيب أحوالهم بعد أن أوعدهم عليه السلام بنزول العذاب من أنه لما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالانطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت لها قلوبهم، فإن هذا يقتضي أن أخد الصيحة اياهم بعد الضحوة لا مصبحين.
وأجيب بأنه ان صحت الرواية يحمل {مُّصْبِحِينَ} على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتد إلى الضحوة وقيل: يجمع بين الآية والخبر بنحو ما جمع به بين الآيتين آنفًا، وفيه تأمل فتأمل.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ} ولم يدفع عنهم ما نزل بهم {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من نحت البيوت الوثيقة أو منه ومن جمع الأموال والعدد بل خروا جاثمين هلكى فما الأولى نافية وتحتمل الاستفهام و{مَا} الثانية يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة واستظهره أبو حيان والعائد عليه محذوف أي الذي كانوا يكسبونه.
وفي الإرشاد أن الفاء لترتيب عدم الإغناء الخاص بوقت نزول العذاب حسبما كانوا يرجونه لا عدم الاغناء المطلق فانه أمر مستمر، وفي الآية من التهكم بهم ما لا يخفى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)}
جُمِعتْ قصص هؤلاء الأمم الثّلاث: قومِ لوط، وأصحابِ الأيكة، وأصحاب الحجر في نسق، لتماثل حال العذاب الّذي سلط عليها وهو عذاب الصّيحة والرّجفة والصّاعقة.
وأصحاب الحِجر هم ثمود كانوا ينزلون الحِجر بكسر الحاء وسكون الجيم.
والحجر: المكان المحجور، أي الممنوع من النّاس بسبب اختصاص به، أو اشتقّ من الحجارة لأنهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتًا محكمًا.
وقد جعلت طبقات وفي وسطها بئر عظيمة وبئار كثيرة.
والحجر هو المعروف بوادي القرى وهو بين المدينة والشّام، وهو المعروف اليوم باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك.
وأما حَجر اليمامة مدينةُ بني حنيفة فهي بفتح الحاء وهي في بلاد نَجد وتسمى العَروض وهي اليوم من بلاد البحرين.
وقد توهّم بعض المستشرقين من الإفرنج أن البيوت المنحوتة في ذلك الجبل كانت قبورًا، وتعلقوا بحجج وهمية.
ومما يفنّد أقوالهم خلوّ تلك الكهوف عن أجساد آدمية.
وإذا كانت تلك قبورًا فأين كانت منازل الأحياء؟.
والظاهر أن ثمود لما أخذتهم الصّيحة كانوا منتشرين في خارج البيوت لقوله تعالى: {فأخذتهم الصيحة مصبحين}.
وقد وُجدت في مداخل تلك البيوت نقر صغيرة تدلّ على أنّها مجعولة لوصد أبواب المداخل في اللّيل.
وتعريف {المرسلين} للجنس، فيصدق بالواحد، إذ المراد أنّهم كذبوا صالحًا عليه السلام فهو كقوله تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين} [سورة الشعراء: 105].
وقد تقدم.
وكذلك جمع الآيات في قوله: {آياتنا} مراد به الجنس، وهي آية النّاقة، أو أريد أنها آية تشتمل على آيات في كيفيّة خروجها من صخرة، وحياتها، ورعيها، وشربها.
وقد روي أنّها خرج معها فصيلها، فهما آيتان.
وجملة {وكانوا ينحتون} معترضة.
والنّحتُ: بَرْي الحجر أوالعود من وسطه أو من جوانبه.
و{من الجبال} تبعيض متعلق بـ {ينحتون}.
والمعنى من صخر الجبال، لما دلّ عليه فعل {ينحتون}.
و{آمنين} حال من ضمير {ينحتون} وهي حال مقدرة، أي مقدرين أن يكونوا آمنين عقب نحتها وسكناها.
وكانت لهم بمنزلة الحصون لا ينالهم فيها العدو.
ولكنهم نسوا أنها لا تأمنهم من عذاب الله فلذلك قال: {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}.
والفاء في {فأخذتهم الصيحة} للتعقيب والسببية.
و{مصبحين} حال، أي داخلين في وقت الصّباح.
و{ما كانوا يكسبون} أي يصنعون، أي البيوت التي عُنوا بتحصينها وتحسينها كما دلّ عليه فعل {كانوا}.
وصيغة المضارع في {يكسبون} لدلالتها على التكرّر والتجدّد المكنّى به عن إتقان الصنعة.
وبذلك كان موقع الموصول والصلة أبلغ من موقع لفظ {بيوتهم} مثلًا، ليدل على أن الذي لم يغن عنهم شيءٌ متّخذ للإغناء ومن شأنه ذلك. اهـ.